عَلَى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا، وَ إِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا، وَ اغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا، قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الْهُدَى، وَ ظَهَرَتْ أَعْلَامُ الرَّدَى، فَهِيَ مُتَجَهّمَةٌ لِأَهْلِهَا عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا.
ثَمَرُهَا الْفِتْنَةُ، وَ طَعَامُهَا الْجِيفَةُ، وَ شِعَارُهَا الْخَوْفُ، وَ دِثَارُهَا السَّيْفُ. فَاعْتَبِرُوا عِبَادَاللَّهِ، وَ اذْكُرُوا تِيكَ الَّتِي آبَاؤُكُمْ وَ إِخْوَانُكُمْ بِهَا مُرْتَهَنُونَ، وَ عَلَيْهَا مُحَاسَبُونَ. وَ لَعَمْرِي مَا تَقَادَمَتْ بِكُمْ وَ لَابِهِمُ الْعُهُودُ، وَ لَا خَلَتْ فِيَما بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمُ الْأَحْقَابُ وَ الْقُرُونُ، وَ مَا أَنْتُمُ الْيَوْمَ مِنْ يَوْمَ كُنْتُمْ فِي أَصْلَابِهِمْ بِبَعِيد. وَ اللَّهِ مَا أَسْمَعَكُمُ الرَّسُولُ شَيْئاً إِلَّا وَهَا أَنا ذَا مُسْمِعُكُمُوهُ، وَ مَا أَسْمَاعُكُمُ الْيَوْمَ بِدُونِ أَسْمَاعِكُمْ بِالْأَمْسِ، وَ لَا شُقَّتْ لَهُمُ الْأَبْصَارُ، وَ لَا جُعِلَتْ لَهُمُ الْأَفْئِدَةُ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ، إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيْتُمْ مِثْلَهَا فِي هذَا الزَّمَانِ. وَ وَللَّهِ مَا بُصِرْتُمْ بَعْدَهُمْ شَيْئاً جَهِلُوهُ، وَلَا أُصْفِيْتُمْ بِهِ وَحُرِمُوهُ، وَ لَقَدْ نَزَلَتْ بِكُمُ الْبَلِيَّةُ جَائِلًا خِطَامُهَا، رِخْواً بِطَانُهَا، فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ مَا أَصْبَحَ فِيهِ أَهْلُ الْغُرُورِ، فَإِنَّمَا هُوَ ظِلٌّ مَمْدُودٌ، إِلَى أَجَلٍ مَعْدُودٍ.
و من خطبة له (ع) (90)
و تشتمل على قدم الخالق و عظم مخلوقاته، و يختمها بالوعظ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ، و الْخالِقِ مِنْ غيرِ رَوّيةٍ الَّذِي لَمْ يَزَلْ قَائِماً دَائِماً؛ إِذْ لَاسْمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ، وَ لَا حُجُبٌ ذَاتُ إِرْتَاجٍ، وَ لَا لَيْلٌ دَاجٍ، وَ لَا بَحْرٌ سَاجٍ، وَ لَا جَبَلٌ ذُو فِجَاجٍ، وَ لَا فَجٌّ ذُو اعْوِجَاجٍ، وَ لَا أَرْضٌ ذَاتُ مِهَادٍ، وَ لَا خَلْقٌ ذُو اعْتِمادٍ:
ذلِكَ مُبْتَدِعُ الْخَلْقِ وَ وَارِثُهُ، وَ إِلهُ الْخَلْقِ وَ رَازِقُهُ، وَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ دَائِبَانِ فِي مَرْضَاتِهِ: