فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ؛ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ، وَ أَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ، وَ أَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نوْمِهِ، وَ أَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ، وَ ظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَوَاتِهِ، وَ أَوْجَفَ الذّكْرُ بِلِسَانِهِ، وَ قَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ، وَ تَنَكَّبَ الَمخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ، وَ سَلَكَ أَقْصَدَ الْمَسَالِكَ إِلَى النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ؛ وَ لَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلاتُ الْغُرُورِ، وَ لَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ، ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى، وَ رَاحَةِ النَّعْمَى، فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ، وَ آمَنِ يَوْمِهِ. وَ قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً، وَ قَدَّمَ زَادَ الآجِلَةِ سَعِيداً، وَ بَادَرَ مِنْ وَجَلٍ، وَ أَكْمَشَ فِي مَهَلٍ، وَ رَغِبَ فِي طَلَبٍ، وَ ذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ، وَ رَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ، وَ نَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ فَكَفَى بِالْجَنةِ ثَوَاباً وَ نَوَالًا، وَ كَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَ وَبَالًا! وَ كَفَى بِاللَّهِ مُنْتَقِماً وَ نَصِيْراً! وَ كَفَىِ بِالْكِتَابِ حَجِيجَاً وَ خَصِيماً!
الوصية بالتقوى
أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي أعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ، وَاحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ، وَ حَذَّرَكُمْ عَدُوًّا نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيًّا، وَ نَفَثَ فِي الآذَانِ نَجِيًّا، فَأَضلَّ وَ أَرْدَى، وَ وَعَدَ فَمَنَّى، وَ زَيَّنَ سَيّئاتِ الْجَرَائِمَ، وَ هَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ، حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قرينَتَهُ. وَ اسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ؛ أَنْكَرَ مَازَيَّنَ؛ وَ اسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وَ حَذَّرَ مَا أَمَّنَ.
و منها في صفة خلق الانسان:
أَمْ هذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ، وَ شُغُفِ الْأَسْتَارِ؛ نُطْفَةً دِهَاقاً، وَ عَلَقَةً مِحَاقاً، وَ جَنِيناً وَ رَاضِعاً، وَ وَلِيداً وَ يَافِعاً ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً، وَ لِسَاناً لَافِظاً،