وَ وَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً، فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ، وَ دَارِ عِبْرَةٍ، أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فَيها؛ وَ مُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا.
التنفير من الدنيا
فَإِنَّ الدُّنْيا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا رَدِغٌ مَشْرَعُهَا، يُونِقُ مَنْظَرُهَا، وَ يُوبِقُ مَخْبَرُهَا. غُرُورٌ حَائِلٌ، وَ ضَوْءٌ آفِلٌ، وَ ظِلٌّ زَائِلٌ، وَ سِنَادٌ مَائِلٌ، حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا، و اطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا؛ قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا، وَ قَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا، وَ أَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا، وَ أَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ، قَائِدَةً لَهُ إِلَى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ، وَ وَحْشَةِ الْمَرْجِعِ وَ مُعَايَنَةِ الَمحَلّ، وَ ثَوَابِ الْعَمَلِ، وَ كَذالِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ، لا تُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاماً، وَ لَا يَرْعَوِي الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً، يَحْتَذُونَ مِثَالًا، وَ يَمْضُونَ أَرْسَالًا، إِلَى غَايَةِ الْانْتِهَاءِ، وَ صَيُّورِ الْفَنَاءِ.
بعد الموت البعث
حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ، وَ تَقَضَّتِ الدُّهُورُ، وَ أَزِفَ النُّشُورُ، أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ، وَ أَوْكارِ الطُّيُورِ، وَ أَوْجِرَةِ السّبَاعِ، وَ مَطَارِحِ الْمَهَالِكِ، سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ، مُهْطِعِينَ إِلَى مَعَادِهِ، رَعِيلًا صُمُوتاً، قِيَاماً صُفُوفاً، يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَ يُسْمِعُهُمُ الَّداعِي، عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الإسْتِكَانَةِ، وَ ضَرَعُ الْإِسْتِسْلَامِ وَ الذّلَّةِ. قَدْ ضَلَّت الْحِيَلُ، وَ انْقَطَعَ الْأَمَلُ، وَ هَوَتِ الْأَفْئِدَةُ كاظِمَةً، وَ خَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ مُهَيْمِنَةً، وَ أَلْجَم الْعَرَقُ، وَ عَظُمَ الشَّفَقُ، وَ أُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ الَّداعِي إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ، وَ مُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ، وَ نَكالِ الْعِقَابِ، وَ نَوَالِ الثَّوَابِ.