responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 1  صفحة : 600

2. المذاهب التاريخية والوضعية

الخصائص المشتركة لهذه المذاهب‌

منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وبالتزامن مع ظهور الفلسفة الوضعية لآجوست كنت الذي شكّك في صحّة الإدراكات العقلية والوجدانية، وذهب إلى انتهاء دورها وبالتالي استبدالها بمعيار الحسّ والتجربة على أساس أنّه المصدر الوحيد للمعرفة البشرية، ومنذ ذلك الوقت وعلم الحقوق في الغرب شهد كسائر العلوم، تحوّلات كبيرة، وظهرت نظريات ورؤى جديدة ولاسيّما في دائرة مباني الحقوق، وهذه النظريات بالإمكان إدراجها تحت عنوان كلّي وعام وهو ما يسمّى بالمذاهب التاريخية والوضعية التي تشترك في إنكار الأصول والقواعد المشتركة والثابتة للحقوق المبتنية على الواقع النفساني والباطني.

في هذه المذاهب الأخلاقية يتحرّك علماء ومفكّرون في هذه المذاهب من موقع إنكار أية قاعدة مثالية للحقوق الموضوعة والتشكيك في قدرة العقل البشريّ لإيجاد أفضل الحلول لمسألة الحقوق الفطرية وبالتالي إنكار ثبات هذه الحقوق ودوامها [1].

وطبقاً لرؤية هذه المذاهب فإنّ الواقع الذي يبتني عليه القانون والحقائق التي تشكّل الأساس في عملية التقنين أي مباني القانون، لابدّ أن تكون محسوسة وقابلة للتجربة والمشاهدة في واقع الحياة الاجتماعية للإنسان‌ [2].

وهذه الحقائق ليست بثابتة، ولا تملك عنصراً مشتركاً في المجتمعات البشرية، بل هي في حالة صيرورة مستمرّة وتغيّر دائم على امتداد الزمان والمكان.

وهنا نستعرض شرحاً مختصراً لهذه المذاهب الأخلاقية:

الأوّل: المذهب التاريخي‌

ومؤسس هذا المذهب هو عالم التاريخ الإلماني المشهور: ساويني‌ [3] (1779- 1861) ..

يعتقد ساويني بأنّ الحقوق لا تنبع من طبيعة الأشياء ولا تقوم على أساس الإدراك العقلاني والتحليل الواقعي، بل إنّ حقوق كلّ قوم خاصّة بهم، وهذا النظام الحقوقي يتحرّك في خطّ النموّ والرشد تزامناً مع نموّ ورشد ثقافة أولئك الأقوام وحركتهم في خط التحضّر والتمدّن والتكامل. وعليه فإنّ كلّ عملية تقنين تتمّ على أساس التحليل العقلي، تتقاطع مع النموّ الطبيعي للحقوق، وتعمل على تجميد الحركة التكاملية لذلك المجتمع في مواقع التحضّر والتمدّن‌ [4].

وعلى أساس هذه الرؤية فإنّ الحقوق أيضاً، من معطيات الوجدان العام والحركة التاريخية للمجتمع البشري، حالها حال اللغات والعادات، ولا يمكن لإرادة الأفراد والحكومات المتعاقبة التدخّل في إيجاد وخلق هذه الحقوق، وعليه فإنّ المبنى الأصلي للحقوق في هذا المذهب هو إرادة الشعب، ولكن ليس المراد منه مجموعة من الناس يعيشون في زمان معيّن، بل مفهوم واحد يصدق على أجيال متتابعة وعلى ما يعيشونه من سنن وعادات وتقاليد، وبالتالي تبرز في ثقافة هذا الشعب قواعد حقوقية تنتقل إلى الأجيال اللاحقة كتراث ثقافيّ لهذا الشعب‌ [5].

ويرى أنصار المذهب التاريخي أنّ الحقوق تأتي‌


[1]. انظر: كليّات الحقوق، ص 60 (بالفارسيّة).

[2]. النظرية العامة للقانون، ص 144.

[3].3 .Savigny .

[4]. مقدمة على الحقوق الإسلامية، ج 2، ص 141 (بالفارسيّة).

[5]. كليّات الحقوق، ص 61 (بالفارسيّة).

اسم الکتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 1  صفحة : 600
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست