أصول وخصائص الحقوق الفطرية:

ومع الأخذ بنظر الاعتبار، اختلاف الآراء بين أنصار مذهب الحقوق الفطرية والتحوّل الذي طرأ عليها طيلة مسارها التاريخي، فإنّه بالإمكان تلخيص فصول هذا المذهب بما يلي:

1. إنّ الحقوق الطبيعية أو الفطرية، هي القواعد التي تقع فوق إرادة السلطة، وعلى المقنّن أن يأخذها بنظر الاعتبار عند وضع القوانين الاجتماعية، والظاهر أنّ جميع أنصار هذه المدرسة يتّفقون على هذه الخصوصية.

2. إنّ قواعد الحقوق الفطرية ثابتة للجميع ولا يمسّها التغيير، وبالإمكان إجراؤها بالنسبة لجميع الأقوام والشعوب في جميع مناطق العالم بشكل متساوٍ.

وفي هذه الخصوصية أيضاً لا يوجد اختلاف حسب الظاهر بين أنصار وأتباع هذه المدرسة. إلّاأنّ استاملر عالم الحقوق النمساوي شكّك في هذا المورد، وبالطبع فإنّ رأيه هذا لم يقع مورد اعتراض أنصار هذه المدرسة فحسب، بل إنّ الآخرين انتقدوه على هذا الرأي وذهبوا إلى تخطئته.

3. إنّ قواعد الحقوق الفطرية بديهية ويتمكّن جميع أفراد البشر من فهمها ودركها بقليل من التأمّل والالتفات.

وفي هذه الخصوصية هناك اختلاف كبير في الرأي بين أتباع هذه المدرسة، والمسلّم أنّ جماعة من فلاسفة اليونان، أي الرواقيين كانوا يرون هذه الرؤية بالنسبة للحقوق الفطرية، ولكن فلاسفة آخرين من اليونانيين وكذلك فقهاء المسيحية، يعتقدون بعدم بداهة هذه الأصول والقواعد بالرغم من أنّهم لا يتردّدون في ضرورة العمل بها في الواقع الاجتماعي والنفسيّ، ويمكن القول أنّ أكثر أنصار مذهب الحقوق الفطرية يعتقدون بأنّ قواعد هذه الحقوق يمكن اكتشافها بالتأمّل والتحليل العقلاني، ولا لزوم لكونها بديهية، إلّا أنّ بعض المفكّرين مثل جان جاك روسو الكاتب وعالم الحقوق الفرنسي المعروف يعتقد بأنّ العقل البشريّ عاجز عن تشخيص قواعد الحقوق الفطرية، ويدّعي أنّ الطريق إلى إدراك هذه القواعد يمرّ فقط من قناة الوجدان‌ [1].

4. إنّ الحقوق الفطرية تقوم على أصالة الفرد، وبالتالي فهي تدافع دائماً عن حقوق الأفراد في مقابل السلطة والحكومة. ولا يمكن تحديد حقوق الأفراد ومصادرتها لحساب مصالح المجتمع أو الأكثرية، وكذلك فإنّ الحكومة لا يحقّ لها أن تقوم بتحديد وتقييد حرّية الأفراد إلّافي صورة أن تكون هناك ضرورة غير قابلة للاجتناب تهدّد منافع الأفراد. وفي هذه الخصوصية أيضاً هناك خلاف كبير بين أتباع هذه المدرسة، ويمكن القول أنّ هذه الخصوصية مؤيّدة فقط من قِبل الرواقيين وبعض المفكّرين الليبراليين. أمّا بعض الفلاسفة مثل كونت (الفيلسوف الفرنسي المعروف) فقد أيّد في البداية هذه الخصوصية، ولكنّه وبعد إعدام ملك فرنسا لويس السادس عشر، قام بتعديل أفكاره في هذا المجال‌ [2].

مناقشة مذهب الحقوق الفطرية:

وفي ختام التوضيحات حول مذهب الحقوق الفطرية وما طرأت عليه من تحوّلات على امتداد تاريخه يمكن الخروج بهذه النتيجة، وهي أنّ المبنى‌

[1]. انظر: فلسفة الحقوق، ج 1، ص 108 (بالفارسيّة).

[2]. انظر: مقدمة على الحقوق الإسلامية، ج 2، ص 89- 92 (بالفارسيّة).