فيها أكثر ويراجع مرّة أخرى خفايا وتفاصيل هذه الفتوى ويكشف بعض خصوصياتها
المتعلّقة بالموضوع الواقعي للحكم ليتمكّن بالتالي من رفع هذا التعارض، وعلى أيّة
حال فمن اللازم رعاية أصل «الانسجام مع غايات ومقاصد الدين وروح الشريعة» ولأنّها
بمثابة أصل من أصول الاستنباط.
على هذا الأساس فإنّ الكثير من الآيات التي تتناول المسائل الفقهية وتتحدّث عن
بعض أحكام الفقه تقترن بالإشارة إلى رعاية العدالة واجتناب الظلم والجور، من قبيل
الآية التي تتحدّث في مضمونها عن أحكام الطلاق وتنهى عن الإضرار والظلم «وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ
يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ»[1].
كما أنّ العلّامة الطباطبائي في ذيل مثل هذه الآيات يصرّح [3] بأنّه يستفاد
من مثل هذه الآيات عدم جواز التفريق بين الأحكام الفقهية والأصول الأخلاقية بأن
يكتفي الإنسان بخصوص الأحكام الفقهية ويجمد على ظواهر العبارات، لأنّ في مثل ذلك
إبطال مصالح التشريع وزوال الغاية من الدين وزوال السعادة من حياة الإنسان.
ويقول «الغزالي» عن فقيه من فقهاء أهل السنّة هو القاضي «أبويوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب
الأنصاري» تلميذ أبي حنيفة وأوّل قاضي القضاة، ويعدّ من كبار فقهاء القرن الثاني:
«وقد حكي أنّ أبا يوسف كان يهب ماله لزوجته في آخر الحول ويستوهب مالها لإسقاط
الزكاة، فحكي ذلك لأبيحنيفة فقال:
«ذلك من فقهه»
. ثمّ قال الغزالي: صدق (أبوحنيفة)، فإنّ ذلك من فقه الدنيا ولكن مضرّته في
الآخرة أعظم من كلّ جناية ومثل هذا العلم هو الضّارّ» [4].
ومن هذا القبيل ما نراه في كلام الفقيه المعروف صاحب كتاب الجواهر في مقابل
فقيه من فقهاء الشيعة الذي أفتى فيما يخصّ رجل محبوس في دار غصبية أنّه يجب عليه
أن يأتي بصلاته بتلك الكيفية التي دخل فيها لهذه الدار المغصوبة، فإن كان واقفاً
فيصلّي واقفاً وإن كان جالساً فيصلّي من جلوس، بل إنّه لا يمكنه أن يتّخذ حالة أخرى
غير حالة الصلاة، لأنّ ذلك يعدّ تصرّفاً في ملك الغير بدون إذنه، ويقول صاحب
الجواهر: «ولم يفطن أنّ البقاء على الكون الأول أيضاً لا دليل على ترجيحه على ذلك
التصرّف، كما أنّه لم يفطن أنّه عامل هذا المظلوم المحبوس قهراً بأشدّ ما عامله
الظالم، بل حَبسُه ما حَبَسه أحدٌ لأحد ... وكلّ ذلك يأتي عن عدم التأمّل في أول
الأمر ولأنفة عن الرجوع بعد ذلك، أعاذاللَّه الفقه من أمثال هذهالخرافات» [5].
تأثير التفقّهو الاجتهاد في العلوم الإسلامية الأخرى:
ممّا لا شك فيه أنّ الكتاب والسنّة يمثّلان الركن الأساس لجميع العلوم الإسلامية،
ويحتاج إليهما كلّ من الفقيه والمفسّر، وحتّى المتكلّم والفيلسوف، وهكذا سائر
العلوم الإنسانية في الإسلام (كعلم النفس