9. ويستفاد بوضوح من بعض الأحاديث أنّ الأحكام الشرعية والتعاليم الإلهية لا
تهتمّ فقط بصلاح ومنفعة العباد في حياتهم الدنيوية، بل إنّ بعض تعاليم الإسلام
تنفع الإنسان في العالم الآخر وحياته بعد الموت، ولذلك نقرأ في حديث عن الإمام
الرضا عليه السلام في بيان الغاية من صلاة الميّت:
إنّ غايات الأحكام والأغراض التي تتضمّنها التعاليم السماوية على أربعة أقسام:
القسم الأوّل: الغايات والأغراض للأحكام الإلهية التي تعدّ
من البديهيات والضروريات، وهي واضحة وجليّة لجميع الناس منذ بداية بعثة الرسول
الأكرم صلى الله عليه و آله، وكل إنسان يتمكّن بمقدار ما ملكه من فكر ومعرفة أن
يدرك مثل هذه الأغراض، من قبيل:
حكمة في تحريم الكذب، الخيانة، التهمة، قتل النفس، السرقة، الظلم والجور،
التطفيف في الميزان والغشّ في المعاملات، وكذلك الغاية والحكمة من الأمر بالعدل
والفضيلة والصدق، إسداء العون إلى المحتاجين والدفاع عن المظلومين، والإحسان
للوالدين والأقربين والجيران وأمثال ذلك، فإنّ كلّ شخص يمكنه استكشاف فلسفة هذه
الأحكام والغاية منها على مستوى فهمه ومعلوماته في كلّ زمان. وعلى هذا الأساس
وبسبب إدراك العقل للكثير من غايات الأحكام الإلهية التي تتحدّث عن هذه الأمور،
ورد في الرواية المعروفة في وصف العقل بأنّه «الحجّة الباطنة» حيث ورد:
القسم الثاني: الأغراض والغايات التي لا يدركها عامّة الناس
بأنفسهم، ولكنّ الآيات القرآنية أو الأحاديث الشريفة أشارت إلى هذه الغايات، من
قبيل الغاية من صوم شهر رمضان المبارك، حيث إنّ عامة الناس، بل أحياناً بعض
العلماء، يجهلون الحكمة من الصيام في بُعدها الأخلاقي والاجتماعي والصحّي، إلّا
أنّ الشارع المقدّس أزاح الستار عن آثار ومعطيات الصوم في البعد التربوي والأخلاقي
وقال: «... لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»[3].
وبالنسبة لتأثير الصوم في البعد الاجتماعي نقرأ في الحديث العميق المضامين
الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام في جوابه عن سؤال هشام بن الحكم عن فلسفة
الصوم أنّه قال: