الأول إنّما يصدر عن إيمان كامل باللَّه تعالى وصفاته الكمالية وعدله وحكمته،
والباعث على هذا السؤال هو الرغبة في الاطّلاع على الحقيقة وتقوية البصيرة
والتعرّف على الحكمة الإلهيّة في عالم التكوين والتشريع والتدبير الإلهيّ، وهو
سؤال مشروع ولا شكّ فيه، ومثل هذا السؤال يصدر عادة من الأخيار والصالحين
والأولياء الإلهيين، وقد ورد في القرآن الكريم نماذج كثيرة من هذا القبيل من
علامات الاستفهام في دائرة الأغراض الإلهية.
مثلًا يتحدّث القرآن الكريم عن سؤال ابراهيم الخليل عليه السلام من اللَّه
تعالى:
«قالَتْ رَبِّ
انَّى يَكُونُ لي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْني بَشَرٌ»[3].
وبديهيّ أنّ هذه الأسئلة لا تنطلق من موقع الاعتراض على أفعال اللَّه تعالى،
بل من موقع فهم الحكمة والغرض الإلهيّ في واقع هذه الأفعال.
وعليه فإنّ ما هو مذموم ومرفوض في دائرة المعارف الدينية هو السؤال الذي ينطلق
من موقع الاعتراض والإنكار أو الاستهزاء، والآية الشريفة: «لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ» ناظرة إلى نوعٍ من الأسئلة اللامسؤولة [4].
ب) الدليل العقلي
وقد استدلّ الأشاعرة على مدّعاهم بعدّة أدلّة عقلية أيضاً:
الأول: أنّ القول بالهدفية يلزم منه أن يتحرّك اللَّه
تعالى في طريق الكمال بواسطة شيء آخر، وهذا محال لأنّ اللَّه تعالى منزّه من كلّ
نقص ولا يحتاج لجبران نفصه لشيء آخر كما هو الحال في البشر.
والآخر: أن لازم الاعتقاد بالهدفية ووجود الغرض في
الأفعال الإلهية، القول بالتسلسل، وهو محال أيضاً، (لأنّ كلّ هدف يحتاج إلى هدف
آخر، وهكذا إلى ما لا نهاية).
الدليل الثالث للأشاعرة: إنّه لا يمكن
تصوّر هدف لفعل من الأفعال سوى طلب اللذّة والمنفعة ودفع الألم وأمثال ذلك، في حين
أنّ اللَّه تعالى قادر منذ الأزل على كلّ شيء، إذن لا حاجة له إلى الأسباب والعلل
لتحقيق الغرض [5].
ولكنّ خطأ الأشاعرة الكبير يكمن في هذه النقطة وهي أنّهم تصوّروا أنّ المصالح
والمفاسد في الأفعال الإلهية تعود إلى الذات المقدّسة، وبديهيّ أنّ جميع هذه
الأمور تعود لحاجات العباد وكمال المخلوقات فيما يعيشونه من نقص وحاجة للكمال
المطلق.