والروايات ربّما تصل إلى حدّ التواتر في مورد حفظ أربعين حديثاً، ورد في بعضها
بصراحة الكلام عن حفظ أربعين حديثاً فيما يتّصل بالحلال والحرام، كالرواية التي
وردت عن الإمام الصادق عليه السلام حيث يقول:
«مَن حَفِظ عنّي أربعينَ حَدِيثاً من
أحادِيثنا في الحَلال والحرامِ بعثَهُ اللَّهُ يومَ القِيامَةِ فَقيهاً عالِماً
ولم يُعَذِّبْهُ» [2]
. وخاصّة الرواية التي يرويها الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه الطاهرين عن
علي عليه السلام عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حيث ورد فيها:
وعندما سأل أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن
محتوى هذه الأحاديث فذكر له رسول اللَّه بعد الإيمان باللَّه والتوحيد مسائل
تتعلّق في الغالب بالأحكام الفرعية ومسائل الحلال والحرام.
بالرغم من أنّ أسمى وأهمّ قسم من أقسام الدين يتمثّل في المسائل العقائدية، أي
الإيمان بالمبدأ والمعاد ورسالة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله، ومن بين النظم
الثلاثة للدين: العقيدة والأخلاق والتشريع، فإنّ نظام العقائد يشكّل المحور لمجمل
قضايا الدين، ولا شكّ في أنّ تثبيت وتقوية عنصر العقيدة يرتبط بشكل وثيق بالالتزام
بالنظامين الآخرين، الأخلاقي والتشريعي، ودور «الفقه» هو ضمان النظام التشريعي.
وببيان آخر: بالرغم من أنّ «الفقه» لا يمثّل مرآة تنعكس عليها جميع قضايا
الدين، بل يأخذ على عاتقه بيان الشرائع والأحكام والمقرّرات، ولكنّ الأركان
الثلاثة للدين تشكّل فيما بينها حقيقة واحدة مترابطة بشكل منظّم بحيث أنّ الإخلال
بواحدةٍ منها يؤدّي إلى الإخلال بالركنين الآخرين. على هذا الأساس يتبيّن:
أ) إنّ القرآن الكريم قد صرّح بأنّ فلسفة بعض
الأحكام الفقهية هي الابتعاد عن الفحشاء والمنكر وإصلاح النظام الأخلاقي «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ»[4] ويقرّر
أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّ الهدف النهائي «للفقه» إصلاح
النظام الأخلاقي أيضاً
ب) إنّ القرآن الكريم يقرّر أنّ العمل الصالح،
الذي يتحقّق من خلال العلم بالفقه والعمل به مع اقترانه بإخلاص النيّة، يؤدّي إلى
تقوية وترشيد الإيمان والعقيدة في واقع الإنسان، «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ
الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ»[6]. وعليه فإنّ الضمير في «يرفعه» يعود إلى
«الكلم الطيّب»
(كما ذهب إلى ذلك جماعة من المفسّرين [7]) وعلى هذا
الأساس فإنّ المقصود ب
«الكلم
الطيّب»
هو الإيمان والعقائد القلبية التي تتكامل وتسمو
[1]. بحارالأنوار، ص 214، ح 13، عن
الإمام الصادق عليه السلام.