من المتداول في جميع المجتمعات البشرية المعاصرة أنّ، تجلس مجموعة من الخبراء
والعلماء لهذه المجتمعات في مجالس معيّنة تسمّى «مجالس تشريعية» وتعمل على وضع
القوانين والمقرّرات لإدارة المجتمعات البشرية بما يحقّق لها الرقيّ والتقدّم في
مختلف المجالات، وكلّ هذه المجالس وبدون استثناء تأخذ بنظر الاعتبار المفاسد
والمصالح في كلّ عمل ومنهج يتقرّر وضعه حيّز التنفيذ في واقع المجتمع، وبعد
الاطمئنان من وجود مصالح في ذلك القانون وعدم وجود مفاسد فيه، أو أنّ المصالح كانت
أكثر من المفاسد فإنّهم يقومون بإقرار ووضع هذا القانون.
وأحياناً تستغرق عملية التحقيق في تفاصيل القانون أيّاماً وشهوراً عديدة في
اللجان المختصّة للوصول إلى النتيجة المطلوبة، ومن ثمَّ إرسال مادّة القانون إلى
المجالس التشريعية.
وكلّ هذه المجالس تدّعي أنّها تأخذ بنظر الاعتبار مراعاة مصلحة المجتمع والناس
لا المصالح الشخصية أو الفئوية أو الحزبية، رغم أنّ هذا الادّعاء ربّما لا يتمتّع
بمصداقية واقعية دائماً، ولكن لا توجد أيّ دولة في العالم تضع القوانين، دون أن
تمرّ بمثل هذه المراحل والخطوات (رغم أنّه من الممكن وجود اختلاف في نوع المجالس
وتعيين الأفراد في هذه المجالس، ومعطيات المراحل القانونية في البلدان المختلفة).
ومن الطبيعيّ أن تبرز أحياناً مشاكل غير متوقّعة، بسبب محدوديّة علم البشر
ومعرفتهم، حيث يتمّ السعي لإصلاح هذا الخلل مباشرة بإضافة بعض الملاحظات والمواد
إلى القانون السابق، وإذا لم يرتفع الخلل بهذه الإضافات القانونية، ولم يتحرّك القانون
في خطّ مصالح ذلك المجتمع، فإنّه سيتمّ إلغاؤه وإبطاله.
والسؤال إذن: هل القوانين الدينية والأوامر والنواهي الإلهية تنطلق من ذات
الموقع وتتحرّك بهذا الاتّجاه؟ أي هل تأخذ بنظر الاعتبار المصالح والمفاسد للإنسان
والمجتمع البشريّ، رغم أنّ المعيار الذي تستند إليه التشريعات الدينية في تشخيص
المصالح والمفاسد لأفراد البشر يتّصل بطبيعة العلم الإلهي اللامتناهي الذي لا
يحتمل فيه الوقوع في الخطأ والاشتباه؟