وبالطبع لا ينبغي لنا الغفلة عن أنّ البعض لا يرون أنّ دليل مالك على هذه
المسألة هو الإجماع، ولا دليل أبيحنيفة. بل الأدلة النقليّة [2].
وأمّا علماء الإماميّة فقد استدلّوا في هذه المسألة بالنصوص الدينية، وبما أنّ
النصوص الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام مختلفة، فقد ذهب المشهور إلى عدم
القصاص، وذهب بعض آخر إلى جواز القصاص استناداً إلى بعض النصوص الواردة في هذه
المسألة [3].
2. إنّ أحد أنواع الإجماع، هو: الإجماع المركّب، والمراد من الإجماع المركّب
هو أن ينقسم الفقهاء في في مسألة معيّنة إلى قسمين، ويفتي كلّ واحد منهما بفتوى
معيّنة، فإذا ظهر فقيه وأصدر حكماً ثالثاً يقال عنه بأنّه خرق الإجماع المركّب،
وذهب بعض علماء الإمامية إلى حجّية هذا الإجماع، بينما ذهب البعض الآخر إلى عدم
حجّيته، مثلًا بالنسبة لحكم الأذان والإقامة، فإنّ الكثير من علماء الإمامية يرون
استحباب الإتيان بهما، وبعض آخر ذهب إلى وجوبهما، ولكنّ صاحب كتاب الحدائق اختار
بالنسبة للأذان، القول بالاستحباب، وبالنسبة للإقامة قال بالاحتياط الوجوبي،
وعندما أشكلوا عليه أنّ هذه الفتوى تعتبر خرقاً للإجماع المركّب، قال: إنّ الإجماع
المركّب ليس بحجّة [4].
وأمّا العلّامة الحلّي [5] ومؤلّف كتاب «المدارك»[6] والمحقّق
السبزواري في كتاب «الذخيرة»[7] فإنّهم قالوا
بوحدة الحكم فيهما، واستدلّوا على ذلك بالإجماع المركّب [8].
العامل الثالث عشر: تأثير الظروف الإجتماعية في فتوى المجتهد
لقد حدث كراراً أنّ المتغيرات والظروف الاجتماعية تؤثّر على فكر الفقيه وتقوم
بإبعاده عن المنابع الأصلية للاستنباط وتجعله يتحرّك من جديد على مستوى التحقيق في
أدلّة الحكم الشرعي، وهذا التحقيق الجديد ينتهي أحياناً بإصدار فتوى جديدة تكون
أعمق وأدقّ من الفتوى الأولى.
وبالنسبة لهذا العصر الذي هو عصر المتغيّرات الكثيرة والسريعة في واقع
المجتمعات البشرية، فإنّ هذا الأمر يشاهد بوضوح في حركة الحياة والواقع، على سبيل
المثال:
1. إبطال طلاق الثلاث في مجلس واحد
عندما سئل مفتي مصر الأكبر الشيخ محمود شلتوت:
«لقد عرف المسلمون من دينهم أنّ أبغض
الحلال إلى اللَّه الطلاق، ومع هذا كثر الطلاق في مجتمعنا كثرةً مزعجةً، فما أسباب
هذه الحالة وماذا ترون لعلاجها