الخيار بيد شخص ثالث أم لا؟ وقعت هذه المسألة مورد خلاف بين فقهاء الإسلام.
حيث ذهب زفر (من الأحناف) [1] وبعض علماء المذهب الحنبلي [2] وكذلك على أحد قولي الشافعي [3] إلى عدم
الجواز. واستدلّوا لذلك بأنّ طبيعة المعاملة الصحيحة تقتضي أن تكون هناك اختيارات
خاصّة لطرفي المعاملة، لا أن يكون الخيار بيد شخص خارج هذه المعاملة.
أمّا أبوحنيفة [4] ومالك [5] والشافعي (في
قوله الآخر) [6] فذهبوا
إلى الجواز. وقال أبوحنيفة: بالرغم من أنّ مقتضى القاعدة والقياس هو عدم الجواز،
ولكن الاستحسان يقتضي الجواز.
«وأصل هذا إنّ اشتراط الخيار لغيره
جايز استحساناً وفي القياس لا يجوز» [7].
أمّا فقهاء الإماميّة فذهبوا إلى الجواز أيضاً، ولكنّ استدلالهم ليس على أساس
الاستحسان، بل لعموم وإطلاقات نصوص الشريعة من الآيات الكريمة وروايات المعصومين
عليهم السلام، التي تشمل هذه المسألة وتدلّ على وجوب التزام [8] طرفي المعاملة بأيّ شرط يتّفقون عليه إذا لم
يكن مخالفاً للشريعة.
من قبيل قوله تعالى: «أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ»[9]. وفي
رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال:
«المؤمنون عند شروطِهم إلّا كُلّ شَرطٍ خالَف كتابَ اللَّهِ عزّ وجلّ، فلا
يجوز» [10].
ه) المصالح المرسلة
إنّ الحكمة من تشريع الأحكام الفقهية في الإسلام هي تحقيق مصالح البشر وإنقاذ
الإنسان من المفاسد، وفي نظرنا نحن المسلمون أنّ الأحكام والمقرّرات الفقهية في
الإسلام تعتبر أفضل منظومة قانونية لتحقيق مصلحة الإنسان وسعادته في مختلف أبعاد
حياته المادية والمعنوية. وقد ذكر الإمام الغزالي أنّ مصالح البشر تقع ضمن خمسة
أمور: الدين، النفس، العقل، النسل، والمال، وهذه هي مقاصد الشريعة الإسلامية
المنعكسة على واقع الأحكام الفقهية [11].
إنّ المجتمعات البشرية بصورة عامة ترى وجود مصالح وأغراض نافعة لأفراد البشر،
وعلى هذا الأساس تتحرّك هذه المجتمعات في عملية التقنين، وقد أيّد الإسلام المصالح
الواقعية منها ولم يعترف بالمصالح الموهومة وغير الحقيقية، وسكت عن بعض المصالح
الأخرى التي يعيشها الناس في واقع الحياة ولم يقرّر لها حكماً معيّناً، أو على
الأقلّ الأحاديث التي تتّصل بهذه المصالح لم تصل إلينا. ويسمّى هذا القسم الثالث
من المصالح ب «المصالح المرسلة» وأحياناً يطلق عليها «الاستصلاح» وتارة تسمّى في
فقه أهل السنّة «الاستدلال» [12].
وقد تحرّك الغزالي على مستوى تفكيك مراتب ودرجات مصالح أفراد البشر إلى ثلاث
مراتب: