القول الثالث: إنّ رأي الصحابيّ حجّة في صورة مخالفة رأيه
للقياس فقط، لأنّه إذا كان رأيه مطابقاً لمقتضى القياس والقواعد الفقهية فيمكن
الحدس أنّ ذلك الصحابيّ حكم في ذلك المورد برأيه وعقله بسبب عدم وجود آية أو حديث
تدلّان على هذا الحكم، ولذلك تحرّك هذا الصحابيّ من موقع العمل بالقياس والاستنباط
من القواعد الفقهية العامّة وأبدى رأيه في هذه المسألة وعمل به، وبالطبع فإنّ رأي
الصحابيّ في هذا المورد لا يكشف عن وجود حديث نبويّ، ولكن إذا كان رأي الصحابيّ
وعمله مخالفاً للقياس، فيمكن الحدس أنّ منشأ هذا الرأي وجود حديث نبويّ لم يصل
إلينا [1]، وينسب
هذا القول إلى الشافعي وأبيحنيفة [2].
نتيجة الاختلاف في حجيّة رأي الصحابيّ:
وقد أدّى الاختلاف في حجيّة هذا المصدر الفقهيّ إلى اختلاف فتاوى فقهاء
الإسلام في مسائل فقهية متعدّدة، على سبيل المثال:
المسألة 1. تعيين أقل مدّة أيّام الحيض
يرى الإمام الشافعيّ وأحمد بن حنبل (على أساس النقل الصحيح) أنّ أقل مدّة
الحيض يوم وليلة، ودليلهم لذلك «العرف والعادة» حيث ذهبا إلى أنّ هذا المورد من
المسائل الفقهية لم يردفيه النصّ، ولذلك لابدّ من الفتوى على أساس العرف، وأمّا
أبوحنيفة فيرى أنّ أقل مدّة للحيض ثلاثة أيّام بلياليها، ودليله على ذلك قول أنس
ابن مالك الصحابيّ المعروف [3].
المسألة 2. إرث الزوجة المطلّقة البائنة
إذا طلّق الزوج في حال مرضه زوجته طلاقاً بائناً ومات في ذلك المرض قبل إتمام
الزوجة لعدّتها، فهل ترث هذه الزوجة من تركته أم لا؟
ذهب الإمام الشافعي في فتواه المتأخّرة إلى زوال حقّها في الميراث، واستدلّ
لذلك أنّ هذه المرأة المطلّقة طلاقاً بائناً لا ترث من زوجها لأنّه لا يعتبر
زوجها، ولا يختلف الحال في أن يكون الطلاق في حال السلامة أو في حال المرض الذي
ينتهي به إلى الموت [4].
أمّا أبوحنيفة ومالك وأحمد فقد ذهبوا إلى أنّها ترث من زوجها، ودليلهم على ذلك
حكم عثمان بحقّها في الميراث في مورد مشابه لهذا المورد [5].
د) الاستحسان
أحياناً لا يجد المجتهد في مسألة معيّنة أيّ دليل من الشرع، ففي هذه الصورة
يمكنه العمل بعقله ورأيه ويصدر حكماً مناسباً وحسناً لهذه المسألة، وبذلك يسمّى
«الاستحسان». فهل هذا «الاستحسان» حجّة ويمكن أن يستند إليه المجتهد في فتواه، أم
لا؟.
ذهب أبوحنيفة ومالك إلى حجّيته، بل إنّ مالك ادّعى أنّ 10/ 9 من العلم
والمعرفة يقوم على أساس الاستحسان. وقد خالف الشافعيّ وفقهاء الظاهرية بشدّة وقال
الشافعيّ