وكذلك ما وقع للنبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله في غزوة بدر وأُحد والأحزاب، وموقفه الشديد من أعدائه المشركين والتشديد في عقابهم، بينما نرى تغيّر الموقف في فتح مكّة على أساس المتغيّرات الجديدة، حيث تعامل معهم من موقع اللطف والإكرام وتجنّب موقف الانتقام واستخدام القوّة.

ب) التسهيل في الأحكام الحكومية

إنّ الأحكام الشرعية تنقسم بشكل عام إلى ثلاثة أقسام: الأحكام الأوّلية، الأحكام الثانوية، والأحكام الحكومية.

ومن البديهي أنّ ملاك وضع الحكم بالنسبة للأحكام الحكومية ليس سوى مصلحة الإسلام والمسلمين، ومن الواضح أنّ هذه المصلحة تتغيّر مع تغيّر العلاقات السياسية، ومدى التطوّر التكنولوجي والعلمي.

إنّ الأوامر الاجتماعية والسياسية لقادة الإسلام وبسبب صدورها من أجل مراعاة هذه المصلحة، لا يمكن القول بثباتها. ويرى المرحوم الشهيد المطهّري، أنّ فلسفة الأحكام الحكومية في الشريعة تتناغم دائماً مع القوانين الإسلامية وتهدف إلى تكريس حاكمية الدين مع كلّ المتغيرات الزمانية والمكانية [1]، ومن خلال فهمنا لمقولة تأثير الزمان والمكان في الاجتهاد، فإنّ مسألة الحكم والسلطة التي هي في غاية التعقيد، ستكون سهلة وميسورة، وكمثال على ذلك نشير إلى الموارد التالية:

1. مسألة ضمان العامل في صورة تلف المال بيده، وهذه المسألة تعدّ من المسائل التي يمكن رؤية تأثير الزمان والمكان في صياغة الحكم فيها بوضوح.

فالعمّال وأصحاب الحرف المختلفة عندما يستلمون بضاعة المراجع لهم لغرض تعميرها وإصلاحها ويحتفظون بها عندهم، ربّما يحدث أمر يؤدّي إلى تلف هذه البضاعة، فإذا كان ذلك العامل أو المهنيّ أميناً فإنّه لا يضمن، هذا في حين أنّ الإمام أميرالمؤمنين عليّاً عليه السلام قال بلزوم الضمان بنحو مطلق وضرورة حفظ أموال الناس‌ [2]، مع الالتفات إلى أنّ اليد هنا يد أمينة، وطبقاً للقاعدة: لا ضمان في صورة عدم التقصير، ولكنّ الإمام مع ذلك حكم بالضمان بنحو مطلق.

وهذا يشير إلى أنّ روحية الإهمال في زمان الإمام بين أصحاب الحرف المختلفة تجاه حفظ أموال الناس كانت هي الغالبة، والإمام كان يرى نفسه- كما يقول العلّامة المجلسي: موظّفاً بتأديب الناس، [3] ومن أجل مواجهة هذه الحالة حكم بالضمان بنحو مطلق (بحيث شمل الأقليّة الأمينة أيضاً) وهذا شاهد آخر على دور الزمان في الأحكام الحكومية للحاكم.

2. في صلح الحديبية، فحسب الظاهر إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله منح بعض الامتيازات للكفّار، ومن هنا فقد اشتدّ هذا الأمر على بعض الصحابة [4] ولكن النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله مع الالتفات إلى مصالح الإسلام والمسلمين كان يعلم أنّ‌

[1]. الإسلام ومقتضيات الزمان، ج 2، ص 90 و 91 (بالفارسيّة).

[2]. وسائل الشيعة، ج 13، باب 29 من أبواب أحكام الإجارة، ح 4 و 12.

[3]. مرآة العقول، ج 19، ص 296.

[4]. تاريخ الطبري، ج 2، ص 634- 638.