لإنقاذهم من الموت، وعلى هذا الأساس فإنّ الدم هو ذلك الدم، ولكن المفسدة تبدّلت إلى مصلحة مهمّة، وبديهي أنّ بيع وشراء الدم في هذه الصورة لا يمكن أن يكون حراماً، بمعنى أنّ ملاك الحكم فيه قد تغيّر.

وهكذا في مسألة الشطرنج فعندما لا يكون الشطرنج في زمان أو مكان خاصّ من آلات القمار، ويراه عامّة الناس مجرّد رياضة فكرية، فمن البديهيّ أنّه في هذا الفرض لا تترتّب عليه مفاسد القمار، وبعبارة أخرى، فإنّ العنوان الكلّي للقمار الذي كانت تترتّب عليه مفاسد معيّنة، قد زال عنه، وعليه فلا دليل على حرمته.

ومن هنا نلاحظ كيف أنّ الزمان والمكان يمكنهما أن يعملا على تغيير المصالح والمفاسد في الموضوعات وبالتالي يتغيّر الحكم تبعاً لذلك.

4. تأثير الزمان والمكان في فهم النصوص (التفسير العصري)

أحياناً يساهم تغيّر الزمان والمكان في فهم النصّ الشرعيّ، أعمّ من الكتاب والسنّة، فهماً جديداً وعميقاً، بمعنى أنّ الظروف الجديدة تستدعي فهماً أدّق لذلك النصّ. وهذا في الحقيقة يبعث على تقوية الدين الإسلامي والنصوص الدينية المرتبطة به، لأنّ هذه المسألة تعكس عمق وسعة هذه النصوص بحيث إنّ كلّ جيل يمكنه استنباط مفاهيم جديدة منها، مثل مسائل البحار والمحيطات، فمع أنّها ثابتة، إلّاأنّ كلّ جيل ينتفع من أسرار وعمق ومحتويات هذه البحار والمحيطات بشكل أفضل من الأجيال السابقة. وبالطبع فإنّ «الفهم الأفضل» يعكس شمولية وكمال النصّ حيث يملك خطاباً جديداً لكلّ جيل من الأجيال.

يقول الإمام الصادق عليه السلام عن القرآن الكريم:

«لأنّ اللَّه تبارك وتعالى لمْ يجعله لزمانٍ دون زمانٍ ولا لناسٍ دون ناسٍ، فهو في كلّ زمانٍ جديد وعند كلّ قومٍ غضٌّ إلى يومِ القيامة» [1].

إنّ وجود تفاسير متعدّدة متنوّعة، شاهد حيّ على تأثير الزمان والمكان في فهم الآيات القرآنية، وهذه الخصوصية موجودة أيضاً في السنّة التي تأتي بعد الوحي.

والعوامل المؤثّرة في الفهم الجديد عن النصوص الدينية عبارة عن:

1. ظهور أسئلة جديدة.

2. ظهور حاجات جديدة.

3. ظهور حالات وظروف جديدة فيما يتّصل بتنفيذ الأحكام الشرعية وتعقيداتها.

4. ارتفاع المستوى العلمي للمفسّر.

ونلفت النظر إلى أنّ الفهم الجديد لا يعني فرض الآراء الشخصيّة على النصّ، بل بمعنى حصول فهم أفضل للناس لم يكن في السابق، أو كان مغفولًا عنه بسبب سذاجة الحالة الثقافية وبساطة الأوضاع، ولا بأس أن نذكر بعض الأمثلة على ذلك:

1. في الفتوى التي صدرت أخيراً من أحد المراجع العظام للشيعة حول مسألة رمي الجمرات في الحج حيث كان على شكل عمود حجريّ قائم ويرميه الحجّاج، وتقرّر الفتوى هذه جواز الرمي على الحوض المحيط بالعمود الحجريّ ولا يلزم إصابة العمود [2].

[1]. بحار الأنوار، ج 17، ص 213.

[2]. انظر في هذا الصدد إلى كتاب «الجمرات، في الماضي والحاضر» تأليف سماحة آية اللَّه العظمى مكارم الشيرازي.