الأمر الأوّل: هل هذا الحكم أعني المعاملة مع السلطان الجائر معاملة العادل و
إعطائه الخراج و الزكوات و غيرها إليه و إبراء الذمّة بذلك مشروط بحال «التقيّة» و
«الضرورة»، أو أنّه مطلق، فيجب دفعه إليه و ان قدر على منعه منه بغير محذور؟
و بعبارة اخرى: إنّ الشارع أمضى سلطنة الجائر على هذه الامور بحيث لا يجوز
منعه منها. و يحرم خيانته و ما أشبه ذلك، لبعض المصالح المتعلّقة بالإسلام و
المسلمين، و لو من جهة حفظ النظام قبل قيام الحكومة الحقّة الإلهية، أو أنّه لم
يمضها كذلك، بل يكون الدفع إليه من جهة ضرورة الدافع لا ضرورة المجتمع الإسلامي؟
نسب القول الأوّل فيما يظهر عن الحدائق إلى جماعة من الأصحاب [1].
و قد يظهر من بعض عباراتهم ذلك في بدو النظر، مثل ما عن المحقّق الكركي رحمه
اللّه في رسالته: «ما زلنا نسمع من كثير ممّن عاصرناهم و لا سيّما الشيخ الأعظم
الشيخ علي بن هلال رحمه اللّه أنّه لا يجوز لمن عليه الخراج سرقته و لا جحوده و لا
منعه و لا شيء منه لأنّ ذلك حقّ واجب عليه» [2].
بل قد يستظهر إجماع الأصحاب على ذلك، و لكن لا يبعد أن يكون مرادهم ما أفاده
شيخنا الأعظم قدّس سرّه في مكاسبه من أنّه ناظر إلى المنع و الإنكار المطلق، لا
منعه من الجائر و إعطائه إلى الحاكم الشرعي أو نائبه إذا لم يكن فيه محذور، و لذا
اختار هو جواز المنع في هذه الصورة [3] و كذلك صاحب الحدائق في ذيل كلامه في المسألة [4].
و على كلّ حال يمكن أن يستدلّ على هذا القول بأمرين:
«أحدهما» مقتضى القاعدة، لأنّ الأصل
عدم جواز إعطائه إلى غير أهله، و القدر المتيقّن من الأدلّة المجوّزة هو ما إذا
كان مجبر على ذلك، أمّا إذا كان مختارا فيه، فيشكل استفادته من الأدلّة، فهي
منصرفة من هذه الصورة لا أقل.