البيان : انّ العلم يعنى عادة بزاويةٍ ما من زوايا عالمنا الوسيع . . يعكف على تحليلها متوفّراً عليها غير ناظر لما سواها . . والثقافة تنفتح على الحياة بكل حيثياتها وتلحظها طرّاً كوحدة واحدة . . وليس للإنسان بما هو مادة للدراسة في حوزة العلم خصوصية بها يمتاز عن أيّة عيّنة اُخرى في الوجود . . بينما هو بما له من وجدان وآمال يشكل المحور للثقافة والهدف . . وأنّ أقصى ما يصل إليه العلم من حيوية . . وغاية ما يبلغه من فاعلية هو مواكبةالحياة كحركة . . غير أنّالثقافة عبارة عن مجموعة من الأفكار والتصوّرات تنبثق من الحياة وتتفاعل معها كرؤى وتطلّعات . .
أضف أنّ لغة العلم المعادلة والرقم . . والثقافة لغتها المصداق لا الشبح ، والمعنون لا العنوان . . العلم يتناول مسائله طبقاً لتسلسلها المنطقي في هذا الاختصاص أو ذاك . . في حين أنّا نلاحظ أنّ المسائل الثقافية تطرح مترتّبة حسب ما لها من الأهمّية . . وبمقدار ما تتّسم به من أولوية منبثقة من الواقع المعاش . . هذا وقد تلعب الصدفة في بعض الحالات دوراً ملحوظاً في دفع عجلة العلم وكشوفاته إلى أمام وتعجيل حركته . . إلاّ أنّنا لا نكاد نجد مداخلة ثقافية ـ وإن مازجها اللاّ شعور أحياناً ـ إلاّ ويكمن وراءها هدفما .. ولانواجه عرضاً ثقافياً إلاّ وينشد غاية معيّنة..
وتأسيساً على ما بيّنا توّاً من فارق ماهوي بين العلم والثقافة . . فمن الطبيعي أن يكون لكلّ منهما مخاطبوه وجمهوره الخاصّ به . فإنّ الخطاب العلمي يوجّه إلى الإنسان بشرط . . والخطاب الثقافي يوجّه إلى الإنسان لا بشرط . . ونحن لا نبغي من ذلك ترجيح أحدهما على صاحبه بلحاظ حساب العامل الكمّي لجمهور كلّ منهما . . بل غرضنا هو صرف التنبيه إلى أنّ لكلّ منهما مقتضياته واقتضاءاته ولكلّ دوره الذي يليق به وحجمه المناسب له .. فلا يستعاض عن الثاني بالأوّل ولا العكس . . ولا يستغنى عن أيٍّ منهما . . فكلاهما يسهمان في صياغة الحياة الإنسانية الأسمى . .