وانما يتم بالمعنى
الذي أراده ، وهو اليمين أو اليسار المقاطع لجهة القبلة على قوائم في بعض البلاد ،
والأخبار مطلقة ، وبلد المخبر والراوي فيها أيضا منحرف عن نقطة الجنوب الى المغرب
، ولم أر ممن قبل الفاضلين اعتبار المشرق والمغرب ، وليس في كلامهما ما يدل على
مرادفتهما لليمين واليسار ، وملاحظة الآية : أي قوله تعالى [١]( لَيْسَ
الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) والاخبار ترفع
استبعاد أن يكون الانحراف إليهما كثيرا وإن لم يبلغا اليمين أو اليسار ، والانحراف
إليهما يسيرا وإن تجاوز المشرق والمغرب.
وأما اليمين
واليسار فهما مذكورتان في الناصريات والاقتصاد والخلاف والجمل والعقود والمصباح
ومختصره والوسيلة ، ولكن لا يتعينان للجهتين المقاطعتين للقبلة على قوائم ، وانما
تظهر مباينتهما للاستدبار ، وهي أعم ، لكن الاستدبار يحتمل البالغ الى مسامت
القبلة والأعم إلى اليمين أو اليسار ، فإن أرادوا الأول شمل اليمين واليسار في
كلامهم كل انحراف الى الاستدبار الحقيقي المسامت ، وإن أرادوا الثاني شملا كل
انحراف الى اليمين واليسار المقاطعتين على قوائم لا ما فوقهما ، وذلك لأنهم لم
يفصلوا الانحراف إلا بالاستدبار واليمين واليسار ، قلت : بناء على ما ذكرناه سابقا
في كلامهم من عدم إرادتهم ما بين اليمين واليسار ، وانه قبلة عندهم يتعين على
الثاني إرادة الانحراف إليهما نفسيهما لا كل انحراف وإن لم يصل إليهما ، والذي
يختلج في البال بناء هذا التنزيل على التسامح والتوسعة بإرادة جهة المشرق والمغرب
لكل أحد تكون قبلته في هذا السمت ، فلا فرق حينئذ بين من انحرفت قبلته عن نقطة
الجنوب والشمال وغيرهما ولا بين الاعتداليين من المشرق والمغرب وغيرهما ، إذ
المراد التوسعة في أمر الجهة في بعض الأحوال ، لكن ومع ذلك فالاحتياط لا ينبغي
تركه بحال.
وكيف كان فقد ظهر
لك مما قدمناه سابقا أنه كان مقتضى الأصل المستفاد من