ومنه تعرف فساد
نسبة أخبار الوجوب للتقية ، كل ذا مع إعراض من سمعت من الأصحاب عنهما ، وفيهم من
لا يعمل إلا بالقطعيات ، مضافا الى أنهم البصيرون الناقدون للروايات ، لكونها خرجت
من أيديهم ، وهم أعرف بها من غيرهم.
وأما ما ذكر أخيرا
ففيه ان الاختلاف في الدينار ونصفه بالإطلاق والتقييد ، ومثله لا يكون قرينة على
الاستحباب ، وأما غيره كالتصدق على العشرة وعلى مسكين ونحوهما فهو مع كونه في بعض
الأخبار الغير المعتمدة قد حصل الاعراض عنه من الأصحاب القائلين بالوجوب أو
الاستحباب ، عدا ما عساه يظهر من المنقول عن الصدوق في المقنع كما ستسمع ، ومعه لا
يصلح لأن يكون قرينة على ذلك ، إذ لو كان هو منشأ الاستحباب لكان الحكم باستحباب
الجميع متجها ، وأيضا فأقصى ما يفيده مثل هذا الاختلاف إشعار لا يقاوم ما سمعت من
الإجماعات وغيرها ، مع ان رواية العشرة إنما اشتملت على حكم من وطأ جاريته ، ولم
يقل أحد بمضمونها فيها ، بل المعروف بين الأصحاب التصدق بثلاثة أمداد سواء كان في
أوله أو وسطه أو آخره ، اللهم إلا ان تنزل على ذلك ، وهو كما ترى ، والمشهور هنا
أيضا القول بالوجوب ، بل في الانتصار الإجماع عليه ، وفي السرائر نفي الخلاف فيه ،
وهما مع التأييد بالمنقول عن الفقه الرضوي [١] الحجة على ذلك ، ولعله مما يؤيد القول بالوجوب في المسألة
السابقة لعدم الفصل بينهما ولذا بنى الوجوب والاستحباب هنا في جامع المقاصد على
تلك وان كان لا يخلو من تأمل ، لأن المنقول عن النهاية في المقام الوجوب ، لكن لعل
عبارته غير صريحة ، أو أنه لا يخل بالإجماع المركب ، فيتجه حينئذ تأييد تلك بأدلة
هذه وبالعكس ، فتأمل ، إلا ان الظاهر قصر الثلاثة أمداد على ما إذا كانت الموطوءة
أمته ، لاختصاصها بما سمعت من الدليل ، دون ما إذا كانت أمة غيره خلافا لما يظهر
من الأستاد في كشف الغطاء ،
[١] المستدرك ـ الباب
ـ ٢٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.