الرجوع فيها قبله
، عملا بالقواعد المختلفة ، وهي أصالة عدم اللزوم مع عدم تحقق عقد يجب الوفاء به
وثبوت جواز التصرف فيها ، بل وقوعه ، ووقوع ما ينافي الإباحة وإعطاؤه الغير ، فقد « وقع ذلك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في مارية القبطية
أم ولده [١] ، وقد كان يهدى إليه الشيء فيهديه لزوجاته وغيرهن » [٢] ، « وأهدى إليه حلة فأهداها لعلي عليهالسلام من غير أن ينقل
عنه قبول لفظي ، ولا عن الرسل إيجاب كذلك مقارن له ، » وهذا كله يدل على استفادة
الملك في الجملة ، لا الإباحة ، ولا ينافي جواز الرجوع بها ما دامت العين باقية.
قلت : قد عرفت
القول بمشروعية المعاطاة في الهبة وغيرها من العقود إلا ما خرج فضلا عن الهدية ،
وأنها تفيد مفاد العقد في الملك ، لاندراجها في الاسم وإن لم تكن عقدا ، إلا أنهم
اعتبروا فيها جميع ما يعتبر في العقد سوى اللفظ ، وحينئذ يشكل في الفرض دعوى كونها
منها ، ضرورة عدم المقارنة بين الفعلين المنزلين منزلة الإيجاب والقبول ، المقصود
بهما الإنشاد.
نعم بناء على
التوسع بالنسبة إلى ذلك في المعاطاة فيتجه كونها حينئذ منها ، بل وكذا في معاطاة
كل عقد ، أما على عدمه فلا محيص حينئذ عن دعوى مشروعيته قسما آخر من الهداية مثلا
مستقلا برأسه ، خارجا عن العقد والمعاطاة ، لمكان السيرة القطعية التي هي الأصل في
مشروعية المعاطاة ، فالفرض مثلها حينئذ ، ولعله أومأ إليه بقوله كالمعاطاة ، بل
ينبغي التزامه في غير المقام ، حتى البيع وشبهه ، بناء على اندراج هذا القسم وإن
لم يكن معاطاة في اسمه.
وأما إذا فرض
مشروعيته بالسيرة ، وعدم اندراجه في الاسم ، فلا بد من القول باستقلاله بنفسه ،
وإن شابه معاطاة كل عقد في المفاد ، ولزومه وجوازه يتبع الأدلة من استصحاب الملك
ونحوه.
وإنما الكلام في
أصل مشروعيته ، وترتب الأثر عليه من الملك وغيره ، فهو كذلك في الهدية وغيرها ،
ومن الغريب ما في ظاهر الرياض من عدم مشروعية المعاطاة في الهبة ، لشبهة الاتفاق
المزبور ، ومشروعيتها في خصوص الهدية لما عرفت ، وكأنه لم يسرح نظره في أطراف
المسألة ،
[١] البحار ج ٢٢ ص
١٩٣ المغني لابن قدامه ج ٦ ص ٢٢٩ الى ٢٥٢.
[٢] البحار ج ٢٢ ص
١٩٣ المغني لابن قدامه ج ٦ ص ٢٢٩ الى ٢٥٢.