ومن هنا كان القول
بالوجوب لا يخلو من قوة ، وأنه لا معنى لتوهين الحسنة باعراض المشهور بعد ظهور عدم
العثور ، وإن كان الأول أقوى ، لأن الظاهر أن إجماع الخلاف ليس على ما نحن فيه كما
لا يخفى على من لاحظه ، بل لعل مراده باليمنى اليد اليمنى ، والاحتياط يخرج عن
وجوبه بالمطلقات المتقدمة ، والحسنة مع عدم صراحتها بإيجاب مسح تمام الشق الأيمن
قبل مسح الشق الأيسر معارضة برواية التوقيع المشتملة على جواز المعية ، مع أنها
أعلى منها سندا ، ومعتضدة بفتوى من عرفت ، وإطلاق الكتاب والسنة وظهور الوضوءات
البيانية وغيرها على كثرتها كما تقدم في عدمه ، بل الأخبار المشتملة على ذكر
الترتيب لم يتعرض في شيء من الجميع للترتيب فيهما ، مع شدة الحاجة اليه وعموم
البلوى به ، واستبعاد خفائه لتكرر وقوعه ، ونحو ذلك من المؤيدات الكثيرة ، فلا
يبعد حمل الأمر على الاستحباب ، كما صرح به في المعتبر والمنتهى والنفلية وغيرها ،
بل نسبه في التنقيح إلى نص الأصحاب ، وكذا الخبر الثاني مع احتمال لفظ اليمنى فيه
لليد اليمنى بقرينة ذكر الشمال ، وكذا الثالث على ضعفه ، بل فيه تأييد للحكم بالمستحب
، لمكان دلالته على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يبدأ بالميامن في وضوئه ، ومع هذا لم يحكه الباقر عليهالسلام في حكاية وضوئه صلىاللهعليهوآلهوسلم وما ذاك إلا أنه
كان يريد حكاية الواجب.
وأما رواية التوقيع [١] التي ذكرت مستندا
للثالث فقد رواها في الوسائل عن الطبرسي في الاحتجاج من التوقيع الخارج من الناحية
المقدسة في جملة أجوبة مسائل الحميري ، حيث سأل « عن المسح على الرجلين يبدأ
باليمنى أو يمسح عليهما جميعا؟ فخرج التوقيع يمسح عليهما جميعا ، فان بدأ بإحداهما
قبل الأخرى فلا يبدأ إلا باليمنى » فهي ـ مع عدم شهرتها بين الطائفة رواية وفتوى ،
بل قد يدعى الإجماع المركب على خلافها ، ومعارضتها بما سمعت من أدلة القول الثاني
ـ لا تصلح لأن تكون حاكمة على إطلاق الكتاب
[١] الوسائل ـ الباب
ـ ٣٤ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٥.