وغيره ، وقد يدفعه
ظهور إرادة التسبيب والفورية منها هنا لا التوقيت ولو بقرينة ما جاء من الأمر
بالفعل بعد ذلك الوقت ، إذ حمله على الأمر الجديد بعيد أو باطل ، بل التحقيق أنه
لا يدخلها أداء ولا قضاء ، لأنهما من توابع الوقت المضروب شرعا ، وهو منتف لما
قلناه من الفورية ، فحينئذ لا يفرق في وجوب الإتيان فورا أيضا بين الترك عصيانا
ونسيانا وان اختص النص بالأول ، إذ قد عرفت أن المدرك غيره أيضا ، بل قد يقرر بوجه
آخر هو أن إطلاق الأوامر بالسجود لا تتقيد بما دل على الفورية ، لعدم التنافي
بينها وبين مطلق طبيعة الوجوب بعد فرض عدم ظهور التقييد فيها ، بل أقصاه اعتبار شيء
آخر مع أصل الوجوب ، بل لعله ليس من الإطلاق والتقييد المصطلح في شيء عند التأمل
لعدم رجوعه للواجب ، بل هو للوجوب ، فتأمل جيدا ، والظاهر جريان جميع ذلك في
السجود المستحب أيضا ، واحتمال الفرق بينهما بسقوطه في حالي النسيان والعصيان
بخلافه لا يخلو من وجه ، لكن الأول أقوى ، لاتحاد ما ذكرناه من المدرك ، والله
أعلم.
المسألة الثالثة
اعلم أن السجود غاية الخضوع لله ، وخير عمل مشروع ، ومنتهى عبادة بني آدم ، وأعظم
شيء تواضعا لله ، بل ما عبد الله بمثل السجود ، ولذا اختص به وحرمه لغيره ، وأقرب
ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد ، وذلك قوله تعالى ( وَاسْجُدْ
وَاقْتَرِبْ ) وبه تحط الخطيئة وترفع الدرجة ، وما من عمل أشد على إبليس
من أن يرى ابن آدم ساجدا ، لأنه أمر بالسجود فعصى وهذا أمر بالسجود فأطاع ونجا ،
ولذا يقول إذا أطالوا السجود : يا ويلاه أطاعوا وعصيت وسجدوا وأبيت وطوله شريطة النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم على حصول الجنة ، وشعار الأنبياء والأئمة النجباء عليهم أفضل التحية والثناء
، وسنة الأوابين ، فقد سجد آدم ثلاثة أيام بلياليها [١]
[١] الوسائل ـ الباب
ـ ٢٣ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١٦.