وهو مكّة المكرّمة كما قلنا ، فالمحاذاة لا تتحقق بتساوي المسافتين بين موقفه ومكّة وبين الميقات ومكّة ، لا من الجانب المواجه للشجرة من الدائرة ولا من جهة النصف الآخر الذي وقع فيه مسجد الشجرة .
وأمّا الوجه الثاني فباطل أيضاً ، لأنه لو فرضنا أنه توجه إلى مكّة من موقفه الواقع على الخط المحيط للدائرة على درجة خمس وأربعين من الدائرة أي نصف الربع فدخل في الدائرة، فيكون بينه وبين مسجد الشجرة خطاً وهمياً موصلاً بينهما، ويشكل بذلك زاوية من الخطوط المارة في طريقه إلى مسجد الشجرة ، ولا ريب أن الخط المار من وسط المثلث أقرب الخطوط وأقصرها من الضلعين إلى الميقات مع أنه خارج عن المحاذاة .
وبعبارة واضحة : لو كان الميزان في المحاذاة بكون الخط من موقفه إلى الميقات أقصر من سائر الخطوط فلازمه كون الخط من وسط الزاوية محاذياً ، لكونه أقصر وأقل مسافة من الخط الواصل بين موقفه والميقات ، مع أنّ ذلك خارج عن المحاذاة حساً ، لاستلزامه الانحراف عن الميقات يميناً أو شمالاً وليس بمواز له .
فتحصل ممّا تقدّم : أنه لا دليل على كفاية مطلق المحاذاة إلاّ في خصوص مسجد الشجرة في صورة خاصّة مما يصدق عليه المحاذاة عرفاً ، فالتعدِّي إلى غير ذلك ممّا لا وجه له ، ولا إجماع في المقام ، ولذا لا نكتفي بالمحاذاة إذا كان الفصل كثيراً وإن كان محاذياً حقيقة حسب الدقة .
والذي يؤكِّد ذلك أن مسجد الشجرة أبعد المواقيت إلى مكّة ، وأمّا الجحفة التي هي ميقات لأهل الشام وكذا العقيق الذي هو ميقات لأهل العراق فهما أقرب إلى مكّة من مسجد الشجرة ، فمن يأتي من العراق أو الشام أو المغرب متوجهاً إلى مكّة التي تقع في نقطة الجنوب بالنسبة إليهم يكون محاذياً لمسجد الشجرة قبل الوصول إلى الجحفة أو العقيق ، لأنهما أقرب إلى مكّة ، ومع ذلك يكون ميقاتهم الجحفة أو العقيق ، وهذا شاهد على عدم كفاية محاذاة الشجرة .