عرفت ، ومع ذلك فقد ذهب جمع منهم الماتن إلى الجواز مع الكراهة ، نظراً إلى معارضتها بروايات اُخرى دلّت على الجواز ، الموجبة لحمل النهي في الروايات المتقدّمة على الكراهة جمعاً ، وهي روايات ثلاث :
الاُولى : صحيحة سليمان بن خالد ـ التي قيل بظهورها في نفسها في الكراهة ـ قال "قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أيقرأ الرجل في الاُولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنّه يقرأ ؟ فقال : لا ينبغي له أن يقرأ ، يكله إلى الإمام"[1] .
فانّ موردها الإخفاتية ، بقرينة ذكر الاُولى والعصر وكذا قوله : "وهو لا يعلم" ، إذ ليس المراد عدم العلم بأصل قراءة الإمام ، كيف وهو لا يجامع الوثوق بدينه المعتبر في صحّة الائتمام ، مع منافاته لقوله (عليه السلام) : "يكله إلى الإمام" ، لظهوره في المفروغية عن قراءته ولذا أوكله إليه ، وإلاّ فلا معنى للإيكال مع الشكّ في الامتثال كما هو ظاهر . فالقراءة مفروضة لا محالة ولو من أجل الحمل على الصحّة .
بل المراد عدم العلم الفعلي من طريق السماع لأجل كون الصلاة إخفاتية فانّ البعيد عن الإمام حينئذ بمقدار مترين مثلا لا يسمع قراءته غالباً ، فقوله : "لا يعلم" بمعنى لا يسمع .
وكيف ما كان ، فقد حكم (عليه السلام) بأنّه لا ينبغي له أن يقرأ ، وهذا التعبير ظاهر في الجواز مع الكراهة .
أقول : مبنى الاستدلال على ظهور كلمة "لا ينبغي" في الكراهة ، وهو في حيّز المنع ، فانّ لفظ "ينبغي" وإن كان ظاهراً في الرجحان والاستحباب لكن كلمة "لا ينبغي" غير ظاهرة في الكراهة ، فانّها وإن كانت كذلك في الاصطلاح الحادث بين المتأخّرين لكنّها في لسان الأخبار ظاهرة فيما هي عليه من المعنى
ــــــــــــــــــــــــــــ