فإنّ البشر بل كلّ ممكن فهو في جميع شؤونه من معاشه ومعاده وحركاته وسكناته ـ بل حتّى في وجوده ـ فقير ، أي محتاج إلى الله تعالى .
ولكن كثيراً ما يستعمل في صنف خاصّ من الاحتياج ، وهو الاحتياج من حيث المال، فيقال : زيد فقير، أي محتاج إلى المال، قال تعالى : (وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَاكُلْ بِالمَعْرُوفِ)[1] ، وقال تعالى : (إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا)[2] .
ولا يعتبر في هذا الاستعمال عدم السؤال جزماً وإن ورد ذلك في الصحيحتين الآتيتين ـ وستعرف الحال فيهما ـ فإنّ الإطلاق العرفي صادق حتّى مع السؤال بالضرورة ، كيف ؟! وقد اُطلق الفقير على البائس الذي هو أسوأ حالاً من المسكين فضلاً عن الفقير في الذكر الحكيم ، قال تعالى : (وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ)[3] .
فلا يعتبر في مفهوم الفقر عدم السؤال وإن جعل ذلك فارقاً بينه وبين المسكين في النصّ المشار إليه واختصّ المسكين بمن يسأل ، لصحّة الإطلاق حتّى في مورد السؤال بلا إشكال كما عرفت .
وأمّا المسكنة فهي مطلق الذلّة ، قال تعالى : (ضُرِبَتْ عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ)[4] ، في قبال العزّة، فإنّ اليهود كانوا مطرودين أذلاّء وإن كانوا أغنياء، فالمسكين هو الذليل والضعيف ، قال تعالى : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَساكِينَ)[5] أي لضعفاء أذلاّء ، ولم يعلم أ نّهم كانوا فقراء .
ــــــــــــــــــــــــــــ