اسم الکتاب : السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي المؤلف : ابن إدريس الحلي الجزء : 3 صفحة : 153
و الذي يقتضيه مذهبنا أنه بعد وقفه و تقبيضه لا يجوز الرجوع فيه، و لا تغييره عن وجوهه و سبله، و لا بيعه، سواء كان بيعه أدرّ عليهم أم لا، و سواء اخربه الوقف [1] و لا يوجد من يراعيه بعمارة، من سلطان و غيره، أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا لأنّا قد اتفقنا جميعا على أنه وقف، و انّه لا يجوز حلّه و لا تغييره عن وجوهه و سبله، فمن ادعى غير ذلك فقد ادعى حكما شرعيّا، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي، لأنه لا إجماع منا على ذلك، لان بعض أصحابنا يذهب اليه، و الباقون يمنعون منه، فقد حصل الإجماع المنعقد على كونه وقفا، و لم يجمعوا على خروجه من الوقف، بحال من الأحوال، و لا يرجع في مثل هذا الإجماع و الأصل الى أخبار آحاد لا توجب علما و لا عملا.
فانّ شيخنا أبا جعفر قال في مسائل خلافه: مسألة إذا خرب الوقف و لا يرجى عوده، في أصحابنا من قال: يجوز بيعه، و إذا لم يختلّ لم يجز، و به قال احمد بن حنبل.
و قال الشافعي: لا يجوز بيعه على حال، دليلنا الأخبار المرويّة عن الأئمة (عليهم السلام)، هذا أخر كلامه في المسألة [2].
فاعتبر ايها المسترشد قوله و استدلاله، فإنه قال: «في أصحابنا من قال يجوز بيعه» و لم يستدلّ بالإجماع، لأنهم ما أجمعوا على بيعه بعد خرابه و اختلاله، و ذكر مالا دليل فيه من أخبار آحاد لا توجب علما و لا عملا.
هذا الخلاف الذي حكيناه من أصحابنا إنما هو إذا كان الوقف على قوم مخصوصين، و ليس فيه شرط يقتضي رجوعه الى غيرهم، فامّا إذا كان الوقف على قوم و على من بعدهم على غيرهم [3] و كان الواقف قد اشترط رجوعه الى غير ذلك، إلى ان يرث اللّه الأرض، لم يجز بيعه على وجه من الوجوه، بغير خلاف بين أصحابنا.
قد قلنا: إنه إذا قبّض الوقف زال ملك الواقف عنه، و صار ملكا للموقوف