اسم الکتاب : السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي المؤلف : ابن إدريس الحلي الجزء : 2 صفحة : 156
و إذا أراد أن يجلس للقضاء، ينبغي و يستحب له أن ينجز حوائجه التي تتعلّق نفسه بها، ليتخلّى و يفرغ للحكم، و لا يشتغل قلبه بغيره.
ثم يستحب له أن يتوضأ وضوء الصلاة، و يلبس أحسن ثيابه و أطهرها، و يخرج إلى المسجد الأعظم الذي يصلّي الجمعة فيه، في البلد الذي يحكم فيه، فإذا دخله، صلّى ركعتين، و يجلس مستدبر القبلة، و لا يجلس و هو غضبان، و لا جائع، و لا عطشان، و لا مشغول القلب بتجارة، و لا خوف، و لا حزن، و لا فكر في شيء من الأشياء، فإن خالف ذلك، و جلس، و قضى بالحق، نفذ حكمه بغير خلاف.
و ليجلس و عليه هدي [1] مفتوح الهاء، مسكن الدال- و سكينة و وقار.
فإذا جلس، حكم للأوّل فالأول، فإن لم يعلم بالأول، أو دخلوا عليه في دفعة واحدة، روى أصحابنا أنّه يتقدّم إلى من يأمر كل من حضر للتحاكم اليه، أن يكتب اسمه و اسم أبيه، و ما يعرف به من الصفات الغالبة عليه، دون الألقاب المكروهة، فإذا فعلوا ذلك، و كتبوا أسماءهم، و أسماء خصومهم في الرقاع، قبض ذلك كله، و خلط الرقاع، و جعلها تحت شيء يسترها به عن بصره، ثم يأخذ منها رقعة فينظر فيها، و يدعو باسم صاحبها و خصمه، فينظر بينهما [2].
و يستحب أن يصل إليه في حكمه، كل أحد، و لا يتخذ حاجبا يحجب الناس عن الوصول إليه، لما روى أبو مريم الأنصاري، صاحب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، أنّه قال: من ولي شيئا من أمور الناس، فاحتجب دون حاجتهم و فاقتهم، احتجب اللّه دون خلّته [3]، بفتح الخاء، و هي الحاجة- و فاقته و فقره.
و قد كره قوم القضاء في المساجد، و أجازه آخرون، و هو الأليق بمذهبنا،
[3] سنن أبي داود: كتاب الخراج و الامارة، الباب 13 (الرقم 2948) و فيه: انّ أبا مريم الأزدي .. قال .. سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يقول: «من ولاه اللّه عزّ و جلّ شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم و خلّتهم و فقرهم احتجب اللّه عنه دون حاجته أو خلّته و فقره».
اسم الکتاب : السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي المؤلف : ابن إدريس الحلي الجزء : 2 صفحة : 156