اسم الکتاب : السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي المؤلف : ابن إدريس الحلي الجزء : 1 صفحة : 508
نفقته على الاقتصاد، و لما ينفقه على نفسه ذاهبا و جائيا بالاقتصاد، و إلى المذهب الأول ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي (رحمه الله)، في سائر كتبه إلا في استبصاره [1]، و مسائل خلافه [2]، و إلى المذهب الثاني ذهب السيد المرتضى، في سائر كتبه، حتى أنّه ذهب في الناصريات، إلى أنّ الاستطاعة التي يجب معها الحج، صحّة البدن، و ارتفاع الموانع، و الزاد، و الراحلة فحسب، و قال (رحمه الله):
و زاد كثير من أصحابنا، أن يكون له سعة يحج ببعضها، و تبقى بعضا لقوت عياله، ثم قال (رضي اللّه عنه): دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه، بعد الإجماع المتكرر ذكره، أنّه لا خلاف في أنّ من حاله ما ذكرناه، أنّ الحجّ يلزمه [3].
قال محمّد بن إدريس (رحمه الله): و الذي يقوى في نفسي، و ثبت عندي، و اختاره و افتي به، و اعتقد صحّته، ما ذهب إليه السيد المرتضى، و اختاره، لأنّه إجماع المسلمين قاطبة، إلا مالكا فإنّه لم يعتبر الراحلة، و لا الزاد، إذا كان ذا صناعة يمكنه الاكتساب بها في طريقه، و إن لم يكن ذا صناعة، و كان يحسن السؤال، و جرت عادته به، لزمه أيضا الحج، فإن لم يجر عادته به لم يلزمه الحج.
فأمّا ما ذهب إليه الفريق الآخر، من أصحابنا، فإنهم يتعلقون باخبار آحاد، لا توجب علما و لا عملا، و لا يخصص بمثلها القرآن، و لا يرجع عن ظاهر التنزيل بها، بل الواجب العمل بظاهر القرآن، و هو قوله تعالى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا[4] و لا خلاف أنّ من ذكرنا حاله قادر على إتيان البيت، و قصده، لأنّه تعالى قال مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا و لو لا إجماع المسلمين على إبطال قول مالك، لكان ظاهر القرآن معه، بل أجمعنا على تخصيص المواضع التي أجمعنا عليها، و خصّصناها بالإجماع، بقي الباقي، فظاهر