اسم الکتاب : السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي المؤلف : ابن إدريس الحلي الجزء : 1 صفحة : 456
محكم التنزيل و هو قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ[1].
فأمّا الفقير فهو الذي لا شيء معه، و أمّا المسكين فهو الذي له بلغة من العيش، لا يكفيه طول سنته و قال بعض أصحابنا عكس ذلك، و هو شيخنا أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) في نهايته [2] و قال في جمله و عقوده [3] وفاق ما ذهبنا إليه، و اخترناه، و هكذا في مسائل خلافه [4]، و مبسوطة [5]، و هو الصحيح من أقوال أهل اللغة و الفقهاء، لأنّ بين الفريقين اختلاف في ذلك، و الذي يدل على صحّة ذلك قوله تعالى أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ[6] فسماهم مساكين، و لهم سفينة بحرية، تساوي جملة من المال، و هذا بخلاف ما يذهب إليه المخالف في المسألة، و قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ و وجه الدلالة من الآية أنّ القرآن نزل على لسان العرب، و لغتها، و مذاهبها، و مخاطباتها، و موضوع كلامها، و العرب تبدأ بالأهم فالأهم، فلمّا كان الفقير أسوأ حالا من المسكين، بدأ به تعالى، و لا يلتفت إلى قول الشاعر:
أمّا الفقير الذي كانت حلوبته * * * وفق العيال فلم يترك له سبد
لأنّه لا يجوز العدول عن الآيتين من القرآن إلى بيت شعر. و أيضا فالبيت المتمسك به، ليس فيه دلالة على موضع الخلاف، لأنّ كل واحد من الفقير و المسكين، إذا ذكر على الانفراد، دخل الآخر فيه، و انّما يمتاز أحدهما عن الآخر، و يحتاج إلى الفرق إذا اجتمعا في اللفظ، و آيات القرآن جمعتهما في اللفظ.
و أمّا العاملون عليها، فهم الذين يسعون في جباية الصدقات.