اسم الکتاب : السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي المؤلف : ابن إدريس الحلي الجزء : 1 صفحة : 206
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الإجماع، قوله تعالى وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ[1] فأوجب التوجه على كل مصلّ، إلى شطر البيت، فإذا لم يفعل ذلك، كان الأمر عليه باقيا، فيلزمه الإعادة.
فإن قيل: الآية تقتضي وجوب التوجه على كل مصلّ، و ليس فيها دلالة على انّه إذا لم يفعل لزمته الإعادة؟
قلنا: لم نحتج بالآية على وجوب القضاء و انّما بيّنا بالآية وجوب التوجه على كل مصلّ، فإذا لم يأت بالمأمور به، فهو باق في ذمته، فيلزمه فعله.
و ليس لأحد أن يقول: هذه الآية انما يصح أن يحتج بها الشافعي، لأنّه يوجب الإعادة على كل حال، في الوقت و بعد خروج الوقت، و أنتم تفصّلون بين الأمرين فظاهر الآية يقتضي أن لا فصل بينهما، فلا دليل لكم على مذهبكم في الآية.
قلنا: إنّما أمر اللّه تعالى كل مصلّ للظهر مثلا بالتوجه إلى شطر البيت، ما دام في الوقت، و لم يأمره بالتوجه بعد خروج الوقت، لأنّه إنّما يأمر بأداء الصلاة، لا بقضائها، و الأداء ما كان في الوقت، و القضاء ما خرج عن الوقت، فهو إذا تحرّى القبلة و صلّى إلى جهة، ثم تبيّن له الخطأ، و تيقن انّه صلّى إلى غير القبلة، و هو في الوقت، لم يخرج عنه، فحكم الأمر باق عليه، و وجوب الصلاة متوجها إلى القبلة باق في ذمّته، و ما فعله غير مأمور به، و لا يسقط عنه الفرض، فيجب أن يصلي ما دام الوقت وقت الصلاة، المأمور بها و هي التي تكون إلى جهة الكعبة، لأنّه قادر عليها، و هو متمكن منها، و بعد خروج الوقت، لا يقدر على فعل المأمور به بعينه، لأنّه قد فات بخروج الوقت، و القضاء في الموضع الذي يجب فيه، انّما نعلمه بدليل غير دليل وجوب الأداء هكذا يقتضي أصول الفقه عند محققي هذا الشأن.