نقول: انّ المراد من هذا الفساد هو الفساد
بوقوع الفتنة و اثارة الاختلافات و بروزها و اراقة الدماء و ما أشبه ذلك لا ما يقع
فيه الإنسان من ترك الوظيفة و تبعات ترك الواجب معنى و عند اللَّه سبحانه.
و لعلّ كلامه يحمل على ما إذا لم تكن إقامة الشهادة واجبة عليه و ذلك
لإقامة الآخرين، فاذا كان قد حضر شهود لأداء الشهادة فلا داعي هناك له إلى الشهادة
و كشف سرّ المؤمن و إيضاح قبائحه [1].
بحث عن الإقرار بمناسبة المقام
ثم لا يخفى انّ هنا امرا أعظم من استحباب ترك إقامة الشهادة- الذي
ذكره- و هو انّه يستحب للمؤمن الذي اقترف المعصية ان يستر ما فعله و اتى به من
المعصية و لا يكشف عن ذلك بإقراره انّه قد عصى اللَّه، و كما انّ التجاهر بالمعصية
أشدّ إثما و أعظم ذنبا من مجرّد الإتيان بها و ذلك لمزيد هتك العبد بذلك بالنسبة
إلى ساحة المولى الجليل سبحانه و تعالى، كذلك ذكر إتيانه بالمعصية أيضا يزداد إثما
لعلّة نفسها و حينئذ لو كان إظهار ذلك و ذكره لأجل إقامة الحدّ عليه فلا حرمة و
الّا فهو حرام، و عند ما كان لإجراء الحدّ فالأحسن ترك ذكره، و الالتجاء إلى
التوبة بينه و بين اللَّه تعالى، كيلا يفتضح بين الناس.
و المستفاد من اخبار كثيرة هو انّ لتطهيره طريقين أحدهما التوبة في
الخفاء و فيما بينه و بين اللَّه تعالى، ثانيهما إقراره عند الإمام أو نائبه حتّى
يحدّ، و الثاني أولى من الأوّل.
و يدلّ على ذلك ما ورد في قصّة ماعز المذكورة سابقا حيث كان النبي
صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يلقّنه المعاذير كي لا يقرّ بالمعصية، و قوله صلوات
اللَّه عليه: لو سترته بثوبك كان خيرا لك، و ما رواه في الوسائل في
______________________________
[1] أقول: و قال المحقّق في كتاب القضاء: لا بأس بتفريق الشهود و
يستحبّ في من لا قوّة عنده، و قال أيضا: و يكره للحاكم ان يعنّت الشهود إذا كانوا
من ذوي البصائر و الأديان القويّة مثل ان يفرّق بينهم لأنّ في ذلك غضاضة لهم و
يستحبّ ذلك في موضع الريبة.